تم خلال شهري فبراير ومارس 2019 تنظيم عدد من الرحلات الميدانية للمنطقة المنزوعة السلاح بين دولة الكويت وجمهورية العراق، تتلخص اهداف تلك الرحلات في الآتى: پ رصد وتوثيق الحياة الفطرية النباتية والحيوانية. پ توصيف اهم الملامح الأرضية بالمنطقة، التي تشمل السبخات (مركز البحيث) والأودية (السالمي والشقايا والأبرق) والخباري (خباري العوازم وبحرة حوشان) والكثبان الرملية (الهويميلية والصقيهية) والتكاوين الجيولوجية ومنها تكوين الدبدبة وتكوين فارس. پ تصوير تلفزيونى وتصوير بالكاميرا وبالطائرة الدرون. شارك في عمليات المسح والتصوير وتحضير وتقديم المادة العلمية، فريق عمل متنوع التخصصات من جمعية حماية البيئة
ملامح المنطقة المنزوعة السلاح بين دولة الكويت وجمهورية العراق
تشكل المنطقة المنزوعة السلاح بين دولة الكويت وجمهورية العراق، جزءا أساسيا من راس المال الطبيعي بالكويت، وتتميز بالتنوع الفيزيائي والاحيائي. تمتد المنطقة على شكل شريط حدودي بين الدولتين، لمسافة تقارب 200 كم وبمتوسط عرض 5 كم، وتبلغ المساحة الإجمالية لتلك المنطقة 1008 كم2 وتمت الحماية الفعلية لها في أبريل من العام 1991 (قرار مجلس الأمن رقم 689-1991) في العام 2003 أصبحت منطقة محظورة وليست
منزوعة السلاح (قرار مجلس الأمن رقم 1490) تقسم المنطقة الى أربعة قطاعات، وكل قطاع به عدد من المراكز الحدودية، وتلك القطاعات هى: (من الجنوب الغربي الى الشمال الشرقي) پ الأبرق (مراكز الأبرق – المهزول- التعاون – الشقايا – الشهيد جرمان) پ الخباري (مراكز جريشان – خباري العوازم – الصمود – الصقيهية) پ الرتقة (مراكز ام سديرة -الصخيبري – التحرير – الرتقة – بحرة حوشان) پ العبدلي (مراكز ام قصر – ام نقا – العازمية – المزارع- العبدلي)
النظم البيئية الطبيعية
پ الأودية والمنخفضات (وادي الباطن وخباري العوازم وبحرة حوشان) پ الحافات الصخرية والمصاطب والتلال. پ الكثبان الرملية الهلالية (ام نقا والهويميلية) پ النباك بكافة انماطها (حول نباتات الرمث والعرفج والسدر والأرطى) پ السهول والتموجات الحصوية (تكوين الدبدبة) پ الأراضي الرطبة (السبخات) البحيث النظم البيئية المرتبطة باستخدامات الأرض (الجوانب الجغرافية – سياسية) Geopolitics
پ الخندق الحدودي (المهمة الأولي حسب تصنيف الإدارة العامة للحدود) پ الشبك الكهربائي (المهمة الثانية حسب تصنيف الإدارة العامة للحدود) پ الخندق الخارجي للمنطقة المنزوعة السلاح (المهمة الثالثة حسب تصنيف الإدارة العامة للحدود) النبات الأكثر انتشارا بالمنطقة المنزوعة السلاح، هو الرمث salicornicum ( Haloxylonيشغل ما لا يقل عن 85 % من المنطقة) يزدهر نبات الرمث في وادي الباطن (السالمي- الشقايا- مركز التعاون والأبرق ) وخبارى العوازم والأودية الممتدة بين الرتقة والعبدلي ومن اهمها ام سديرة والصخيبري، كما يزدهر في الجزء البري من مركز البحيث. وقد لوحظ تباين كبير في حجم وارتفاع وكثافة النبات واعداد الحيوانات البرية التى تعيش فى ظله، ويفسر ذلك بالاختلاف الكبير في الظروف المحلية، فعلى سبيل المثال الرمث الذى ينمو فى تربة طينية تحتوى على ما بين 5 الى 8 % مادة عضوية يكون أشد عودا وأكثر تحملا للظروف القاسية، كما ان الرمث الذى يحجز كميات اكبر من رواسب السيول يكون في افضل حال، لما تحمله تلك الرواسب من مواد عضوية ومحسنات للترية. يحجز نبات الرمث بالمنطقة المنزوعة السلاح نوعين من الرواسب، أولهما رواسب السيول (بعد جفافها) وهى تتكون من خليط من رمال دقيقة وطين وغرين فى حدود 45 % ومادة عضوية تتراوح ما بين 5 الى 8 % وثانيهما الرواسب التى تحملها الرياح وهى رملية فقيرة في المواد العضوية وهذه الخلطة من الرواسب تساعد النبات على النمو بمعدلات اكبر والصمود تحت الظروف البيئية القاسية.
تفاصيل الجولات البحيث
تصنف سبخة البحيث الى قطاعات عارية من الغطاء النباتي (سبخة عقيمة) وقطاعات مغطاة بالنباتات (سبخة منتجة)
يزداد ارتفاع سبخة البحيث عن سطح البحر بالاتجاه غربا. يبلغ الارتفاع قرب خط الساحل 2 متر فوق سطح البحر، بينما يصل الارتفاع الى 13 مترا فوق سطح البحر في التخوم الغربية لسبخة البحيث. تلتقى سبخة البحيث مع المسطحات الرملية غير المالحة الواقعة غربا، والتي ينمو فوقها نبات الرمث بكثافة عالية، وذلك بعد قرابة 3 كم من مسطحات مد وجزر خور الصبية. نظرا لإهمية السبخات وفوائدها الجمة، بادر المجتمع الدولي في غضون العام 1971 بإعداد اتفاقية رامسار للأراضي الرطبة، وبذلك سبقت اتفاقية رامسار اتفاقات ريو الثلاث (مكافحة التصحر – التنوع البيولوجي والتغيرات المناخية) بقرابة عقدين من الزمان. وتحتفل حكومات وشعوب العالم ومنظمات المجتمع المدني باليوم العالمي للأراضي الرطبة في الثانى من فبراير من كل عام. تعد الأراضي الرطبة من اعلى النظم البيئية إنتاجية وهى موطن لاعداد هائلة من النباتات والحيوانات البرية. السبخات في الكويت جزء أساس من رأس المال الطبيعي وتشكل ما يقارب 8 % من مساحة البلاد ومن اهم النباتات التي تزدهر في السبخات نبات الغردق Nitraria retusa لنبات الغردق أهمية اقتصادية (قيمة رعوية) وبيئية حيث تمتد جذوره لأكثر من مترين مما يساعد على تماسك وتثبيت التربة كما ان لنبات الغردق دور أساسي في الحفاظ على التوازن البيئي.
الشقايا
الشجى وهو ما يطلق عليه اسم الشقايا، ويقال أنبط ماء غزيرا لا ينزح. الشقايا من اعلى المناطق في الكويت (280 مترا فوق سطح البحر) تسود بمنطقة الشقايا الأحجار الرملية المتشققة والمتكهفة التابعة لتكويني الدبدبة وفارس. تشكل التلال والحافات الصخرية المنتشرة منطقة استقبال أمطار Watershed غاية في الأهمية بوادي الباطن. كميات كبيرة من الأمطار الهاطلة تتسرب رأسيا، خلال مجموعة كثيفة من الشقوق ، لجوف الصخور المتشققة. مياه الجريان السيلي تتدفق من المناطق المرتفعة الى الروافد العليا لوادى الباطن ثم الى المجرى الرئيس للوادي. من المتوقع ان تكون منطقة الشقايا بالمنطقة المحظورة، لها إمكانات عالية من ناحية المياه الجوفية قليلة الملوحة. من أفضل مناطق حصاد مياه الأمطار والسيول Water Harvesting يقترح الاتى: أولا: تنفيذ برنامج استكشاف مياه جوفية بهذه المنطقة. ثانيا: الاستفادة بمياه السيول من خلال خطة مستدامة لحصاد مياه الأمطار والسيول.
جريشان
نحن فى المجرى الرئيس لوادى الباطن وتحديدا بجوار أعلى شجيرة أرطى بالكويت، تربة الوادي رملية سميكة مشبعة بالرطوبة (تاثير امطار موسم 2018 / 2019) وغنية بالمواد العضوية، الغطاء النباتى كثيف ومتنوع
(عرفج ورمث وأرطى) وتغطى النباتات الحولية كل شبر من مجرى وادي الباطن. وجريشان من أشد المناطق تأثرا بالرمال الزاحفة من العراق، بفعل الرياح الشمالية الغربية، وفى هذا الموقع تعبر الرمال القافزة خط الحدود ثم الخندق الحدودي لتستقر على اول عقبة او حاجز يعترض طريقها، وهى شجيرة ارطى كبيرة . الموقع على مسافة 100 متر تقريبا من الخندق الحدودي بين العراق والكويت. يبلغ ارتفاع الموقع 95 مترا فوق سطح البحر. تقع واحة الأرطى بمركز جريشان الحدودي، وهى منطقة مسيجة داخل المنطقة المنزوعة السلاح وسبب تسييجها هو منع القاء الرمال المزاحة من الخندق الحدودي فوق شجيرات الأرطى Calligonum polygonoides يصل عدد شجيرات الأرطى في حدود 15 شجيرة، يختلف ارتفاعها من 2 متر الى 50 سم. وكما جاء فى برنامج «كل يوم نبتة» الذى اعدته الجمعية الكويتية لحماية البيئة وبثه تليفزيون الكويت عام 2016 ان اوراق وازهار الأرطى غنية بالبروتينات، كما ان أوراق النبات شديدة المرورة، لذا يصنع منها عجينة تستخدم للعلاج من التسمم، كما ان جذور الأرطى تغلى وتستخدم في مضمضة الأسنان، على صعيد آخر تمثل شجيرات الأرطى اجود ما ترعاه الأبل.
قصة نجاح پ البداية منذ قرابة عقدين من الزمان : شجيرة أرطى وحيدة (الشجيرة الأم الشامخة الأعلى في الكويت بمنطقة جريشان) مع الوقت ازدهرت واثمرت الشجيرة (ثمار حمراء اللون مفلطحة مغطاة بشعر ناعم) وتغلبت الشجيرة على الرمال الزاحفة بالنمو الأسرع لأعلى، وساعد على ذلك مخزون المياه الكبير في جوف الرمال المتراكمة حول النبتة. پ تقوم الرياح الشمالية الغربية بحمل البذور بعيدا عن الشجيرة الأم، لتستقر تلك البذور فوق تربة رملية رطبة غنية بالمواد العضوية فتنبت البذور وتنتشر نباتات الأرطى ومع الوقت تقوم بدورها في حجز الرمال وتثبيت التربة. پ تم تسجيل أربعة أجيال من شجيرات الأرطى كل جيل مرتبط بموسم امطار محدد.
الدرس المستفاد (التوصية)
التوسع في زراعة الأرطى في المنطقة الممتدة بين مركزي الصمود (الهويميلية) والصقيهية (حوالى 20 كم طول و5 كم عرض) للتخفيف من مشاكل الرمال الزاحفة
السالمي (مركز الشهيد جرمان)
نحن الآن في منطقة المثلث الجنوبي بدولة الكويت، حيث تلتقى حدود المملكة العربية السعودية وجمهورية العراق ودولة الكويت وهذه اعلى نقطة في الدولة، حيث يبلغ ارتفاعها 280 مترا فوق سطح البحر. وموقعنا قريب من بحرة العوجة، والعوجة هي انحناء في المجرى الرئيس لوادي الباطن تتجمع فيه مياه السيول، حيث ان الانحناء يتسبب في تخفيف سرعة السيول ومن ثم تتراكم في العوجة وتشكل بحيرات مائية تستمر عدة أسابيع. . ينتشر
بالمنطقة نبات الرمث الذى ينمو فى التربة الرملية المختلطة بالتربة الطينية المنقولة بواسطة السيول. من موقعنا نري المجرى الرئيس لوادي الباطن، الذى كان نهرا جاريا في العصور المطيرة، وبعد ان تغيرت الظروف المناخية وساد الجفاف اصبح وادى جاف يسيل مرة كل عدة سنوات. لوادي الباطن أهمية جيولوجية وهيدروجيولوجية وايكولوجية وبيئية، فضلا عن الأهمية التاريخية، وكما هو معروف يقع الوادى في شمال شرق الجزيرة العربية ويبدأ من الأجزاء الغربية من الجزيرة العربية. ويقطع الوادي رمال الدهناء وينتهى في شط العرب ويبلغ طوله قرابة 500 كم ويطلق عليه اسم وادى الرمة (يرم او يقذف) في الكويت يمتد وادي الباطن من عوجة الباطن في اتجاه شمال شرق لمسافة حوالى 75 كم، يحد الوادي من جانبيه مصاطب نهرية وتلال من احجار جيرية ورملية متقطعة بالروافد ويتراوح عرض الوادي ما بين 5 الى 7 كم. يستقبل وادي الباطن مياه الجريان السيلى من روافد شرقية (بالأراضي الكويتية) وغربية (بالأراضي العراقية) اطلق عليه اسم وادى الباطن اى المخفى، حيث تختفى أجزاء منه تحت صحراء الدهناء، ولكنها تعاود الظهور عندما تجري مياه السيول التى تجرف ما يعترض طريقها من كثبان رملية ومن ثم تعود المياه الى مجاريها. لا يفوتنا ان نشير الى ان محمية وادي الباطن على بعد امتار قليلة من وقفتنا الحالية بالمثلث الجنوبي. تم اعتماد المحمية التي تبلغ مساحتها 910 كم2 بقرار مجلس الوزراء الموقر رقم 25 لسنة 2011 وهى تحت اشراف الهيئة العامة لشئون الزراعة والثرة السمكية وسوف يترتب على حماية هذا الجزء الهام ازدهار الحياة الفطرية بشقيها النباتى والحيوانى، كما انه من المتوقع ان تستقر التربة وتتماسك حبيباتها وتزداد كمية المواد العضوية ورطوبة التربة ومن ثم تقل العواصف الرملية والغبارية بنسبة لا تقل عن 20 %
الهويميلية
نحن في بداية الممر الطبيعي للرمال الزاحفة الذي يمتد من الهويميلية في الشمال الغربي الى الوفرة في الجنوب الشرقى. يبلغ طول الممر قرابة 168 كم ويتراوح العرض ما بين 20 الى 40 كم، يتباين ارتفاع الموقع من 135
متر الى 145 متر فوق سطح البحر. في هذا الموقع تشاهد بوضوح مؤشرات التجوية الريحية، التي تتمثل بتشكيل حقول من التموجات الحصوية -علامات النيم الحصوية – Granule Ripples تؤشر تلك العلامات الى استمرار عمليات التجوية الريحية لفترات طويلة حيث تنقل الرياح الحبيبات الرملية الدقيقة والمتوسطة وتبقى الرمال الخشنة والحصى التي لا تقوى الرياح على نقلها. كما تنكشف جذور النباتات كنتيجة لعملية القصف الرملى wind blasting تبدا سلاسل الكثبان الرملية من منطقة الهويميلية (مركز الصمود) في اقصى الجزء الشمالي الغربي من دولة الكويت وتنتهى بمنطقة الأطراف في الجنوب الشرقي. الكثبان الهلالية هي أكثر اشكال الكثبان الرملية انتشارا (يطلق عليها البرخان)، لها شكل الهلال مع واجهة منحدرة، تحدها قرون تشير الى اتجاه الريح
تتكون الكثبان الرملية الهلالية تحت الظروف التالية: پ رياح دائمة تهب من اتجاه واحد (الشمال الغربي) وذات سرعة قادرة على حمل الرمال. پ مصدر يمد الرياح بالرمال بشكل دائم. پ مسطحات مستوية الى قليلة التموج، تتكون من مفتتات غير قابلة للتعرية مثل الحصى والجلاميد. پ سطوح تنتشر بها العوائق مثل الحشائش والكتل الصخرية التي تعمل بدورها على اصطياد الرمال القافزة. تنتشر الكثبان الرملية على شكل خطوط يطلق عليها اسم الخطوط البرخانية. يتروح ارتفاع الكثبان الرملية من 3 الى 8 أمتار وتتكون من الكوارتز (السيلكا) الذى يشكل ما لا يقل عن 90 % من مكونات الكثبان الرملية. تختلف حركة الكثبان الرملية اختلافا كبيرا حيث تتحكم فيها الظروف الطوبوغرافية المحلية وطبيعة التربة والغطاء النباتى، فضلا عن استخدامات الأراضي وعموما تتراوح السرعة من 8 – 40 متر في العام. على صعيد آخر، ترتبط عملية التقدم الكثيبي بكميات الأمطار الهاطلة وكلما زادت كميات الأمطار زادت النباتات ومن ثم يقل او ينعدم التقدم الكثيبي لعدة شهور. وفى الحقل تلاحظ حركة الكثيب الرملي من موضع لآخر، حيث يترك من ورائه بقعة هلالية الشكل من ارض جافة لا أثر لحياة فيها كان يشغلها الكثيب كاملا في يوم ما قبل ان يرحل. خلال العقدين الماضيين حدثت تغيرات جوهرية في استخدامات الأراضي، من أهمها شق وتجهيز الخندق الحدودي بين العراق والكويت، خلال عامي1994 – 1995 (متوسط عرض الخندق ستة امتار وعمق في حدود خمسة امتار)
اربك الخندق الحدودي الحركة الطبيعية للرمال الزاحفة من العراق الى الكويت وقام بدور مصيدة ضخمة لتلك الرمال، ما يعنى ان عملية تغذية الكثبان الرملية بالأراضي الكويتية تعرضت لخلل كبير، لدرجة ان بعض الكثبان الرملية القريبة من الخندق تعرضت للضمور او التلاشي لعدم تغذيتها برمال حديثة من الجانب العراقي، بينما تفقد تلك الكثبان كميات من الرمال اثناء العواصف الرملية، ما يعنى ان الفاقد أكبر من الوارد وهذا يؤدى الى تلاشى الكثبان الرملية بمرور الزمن